الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

القصة ( 24 ) - قصة الامام التاسع


تاسع الائمة - الأمام الجواد
في يوم دافئ، وأشعّة الشمس تتسلّل برفق عبر أزقّة مدينة بغداد، وتبدأ انتشارها فوق السّهول المترامية الأطراف حولها، خرج المأمون العباسي مع نفر من حاشيته للصيد، وقد امتطوا جيادهم يسابقون بها الريح، مصطحبين صقورهم وكلابهم، قاصدين السّهول الممتدّة حول المدينة.
بغداد في تلك الأيام كانت مدينةً كبيرةً جداً، تحيط بها مزارع البرتقال وكروم العنب وأشجار النّخيل، يزيّنها العشب الأخضر والورود.
كان الموكب يجتاز شوارع العاصمة، مثيراً الرعب والذّعر في قلوب الناس. وفي أحد الشوارع صادف مجموعةً من الصبية يلعبون ويتراكضون، وما إن شعر الصبيّة باقتراب خيل الحاكم حتى هربوا في كلّ اتّجاهٍ؛ وتلك كانت صورة الحكّام المرعبة، فقد ترك أسلاف المأمون كالرّشيد والمنصور وهشامٍ والحجاج بصمات البطش والإرهاب في النفوس.
خلت الساحة من الأطفال، عدا طفل منهم، انتصب شامخاً أمام الموكب غير آبهٍ به، ممّا أثار دهشة المأمون، فأمر بإحضار الصبيّ إليه، وخاطبه قائلاً: لماذا لم تهرب مع الصبية الآخرين؟ قال الصبيّ: مالي ذنب فأفرّ منه، ولا الطريق ضيّق فأوسّعه عليك، فسر حيث شئت.
قال المأمون متعجّباً من جرأة الغلام: من تكون أنت؟ قال: أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
قال المأمون: ما تعرف من العلوم؟
قال: سلني عن أخبار السّماوات.
لقد سأل المأمون الغلام الصغير عمّا يعرفه من العلوم، والعلوم لا يعرفها إلاّ من درسها، وقضى السنين في تعلّمها، فكيف يسأل عنها غلاماً صغيراً؟
والجواب أنّ المأمون يعلم ذلك، لكنّه بعد أن عرف أنّ الغلام هو ابن الإمام الرضا (ع)، وأنّه فرع من الشجرة المباركة، شجرة أهل البيت عليهم السلام، الذين يتوارثون العلوم والمعارف، كلاّ عمّن سبقه، سأله هذا السؤال الطبيعيّ.
ترك المأمون الإمام مبتعداً نحو السّهول، وهو غارق في التفكير بأمر هذا الغلام، ومضى النهار إلا أقلّه، والمأمون لا يجد صيداً، فأطلق أحد صقوره يبحث عن طريدة؛ حلّق الصّقر عالياً وغاب عن الأنظار ساعةً، عاد بعدها وهو يحمل حيّةً بين مخالبه، وألقاها أمام المأمون، أمر المأمون بوضع الحيّة في صندوق وقال لأصحابه: قد دنا حتف ذلك الغلام في هذا اليوم، وعلى يديّ. ثمّ عاد أدراجه نحو بغداد.

وفي طريق عودته، التقى بالصبيّة أنفسهم وابن الرضا بينهم، فاقترب منه قائلاً (وكأنّما يتابع معه حديث الصباح):

وما عندك من أخبار السماوات؟

أجاب الإمام قائلاً: حدثني أبي عن آبائه، عن النبيّ، عن جبرائيل، عن ربّ العالمين أنّه قال: بين السماء والهواء عجاج (والعجاج هو الغبار أو الدخان) يتلاطم به الأمواج. فيه حيات خضر البطون، رقط الظهور (لونها مبقّع بالبياض والسواد)، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب، ليمتحنوا به العلماء . .
فقال المأمون: صدقت، وصدق أبوك، وصدق جدّك، وصدق ربّك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القصة ( ٢١٧ ) - جز صوف الكباش خير من سلخ جلود الحملان

إن جزَّ صوف الكباش.. خير من سلخ جلود الحملان . باعتبار الدولة في ضيق مالي . - قصة رواها الرحالة الفرنسي ڤولني عن والي دمشق أسعد باشا ا...